بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد
وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:
[size=21][size=21]
[size=29]وقفات مع سورة الحجرات
لقد خاطب
البارئ عزّ وجل المؤمنين في هذه السورة خمس مرات بـقوله (( يا أيها الذين
آمنوا )) ، في كل نداء من هذه النداءات توجيه إلى مكرمة خلق ينبغي التحلي
به ، ثم خاطب في المرة السادسة عموم الخلق بقوله (( يا أيها الناس ))
ليرشدهم إلى طريقة تحفظ أمن الجميع وسلامتهم وتعاونهم على البر والتقوى .
أولاً : أدب التعامل مع الله ورسوله عليه الصلاة والسلام :
قال الله تعالى ((يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم)) الحجرات 1.
نداء
من الله للذين آمنوا به بالغيب . واستجاشة لقلوبهم بالصفة التي تربطهم به ,
وتشعرهم بأنهم له , وأنهم يحملون شارته , وأنهم في هذا الكوكب عبيده
وجنوده , وأنهم هنا لأمر يقدره ويريده , وأنه حبب إليهم الإيمان وزينه في
قلوبهم اختيارا لهم ومنة عليهم , فأولى لهم أن يقفوا حيث أراد لهم أن
يكونوا , وأن يقفوا بين يدي الله موقف المنتظر لقضائه وتوجيهه في نفسه وفي
غيره , يفعل ما يؤمر ويرضى بما يقسم , ويسلم ويستسلم:
(يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله , واتقوا الله إن الله سميع عليم)
يا
أيها الذين آمنوا , لا تقترحوا على الله ورسوله اقتراحا , لا في خاصة
أنفسكم , ولا في أمور الحياة من حولكم . ولا تقولوا في أمر قبل قول الله
فيه على لسان رسوله , ولا تقضوا في أمر لا ترجعون فيه إلى قول الله وقول
رسوله .
وقد قرن الله عزّ وجل في هذه الآية نفسه برسوله عليه الصلاة
والسلام ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبلغ الوحيد عن ربه ، ونبّه
المؤمن إلى أنه دائماً في حضرة ربه (( وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير))
الحديد 4 ، وعليه احترام الرسول صلى الله عليه وسلم والانقياد لأوامره ؛
لأن ذلك من صميم تقوى الله وهذه التقوى تقتضي الالتزام بأمور منها :
عدم
تقديم رأيه على أوامر الله ورسوله في الكتاب والسنة ، فلا يقول ولا يقضي
في الدين بخلاف ما تنص عليه الشريعة ، ولا يجعل لنفسه تقدما على الله
ورسوله في المحبة والولاء ، بل يكون رأيه تبعاً لما جاء به النبي صلى الله
عليه والسلام ، وتكون محبته وولاؤه لله ورسوله أقوى وأشد من محبته وولائه
لنفسه وأهوائه ومصالحه، ولا يفتات على الله شيئاً أو يقطع أمراً حتى يحكم
الله فيه ، ويأذن به على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام .
روى أحمد
وأبو داود والترمذي وابن ماجه - باسناده - عن معاذ - رضي الله عنه - حيث
قال له النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن:" بم تحكم ? " قال:بكتاب الله تعالى . قال صلى الله عليه وسلم فإن لم تجد ? " قال:بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم:" فإن لم تجد ? " قال - رضي الله عنه -:أجتهد رأيي . فضرب في صدره وقال " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضي رسول الله " .
وحتى
لكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألهم عن اليوم الذي هم فيه , والمكان
الذي هم فيه , وهم يعلمونه حق العلم , فيتحرجون أن يجيبوا إلا بقولهم:الله
ورسوله أعلم . خشية أن يكون في قولهم تقدم بين يدي الله ورسوله !
جاء في حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل في حجة الوداع:
"أي شهر هذا ? " . . قلنا:الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه . فقال:" أليس ذا الحجة ? " قلنا بلى ! قال:" أي بلد هذا ? " قلنا:الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه . فقال:" أليس البلدة الحرام ? " قلنا:بلى ! قال:" فأي يوم هذا ? " قلنا:الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه . فقال:أليس يوم النحر ? قلنا بلى ! . . الخ .
فهذه
صورة من الأدب , ومن التحرج , ومن التقوى , التي انتهى إليها المسلمون بعد
سماعهم ذلك النداء , وذلك التوجيه , وتلك الإشارة إلى التقوى , تقوى الله
السميع العليم
ثانياً الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم :
قال تعالى (( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون)) الحجرات 2 .
وقد نهى الله تعالى في هذه الآية عن ثلاثة أمور :
- عن التقدم بين يديه صلى الله عليه وسلم بما لا يأذن به من الكلام والآراء والأحكام
- عن رفع الصوت بحضرته .
- عن الجفاء في مخاطبته ومحاورته .
كما
أمر بتعظيمه صلى الله عليه وسلم ، وتوقيره وخفض الصوت بحضرته وعند
مخاطبته، والتزام توجيهاته وأوامره . وبما أن حرمة النبي صلى الله عليه
وسلم حيا كحرمته ميتا ، وكلامه المسموع منه مباشرة ككلامه المروي عنه بعد
موته في الرفعة والإلزام ، فقد وجب على كل من يسمع حديثه وسنته وهديه ألا
يرفع صوته عليه أو يعرض عنه ؛ لأن رفع الصوت والجهر به في حضرته صلى الله
عليه وسلم أو عند تلاوة سنته دليل على قلة الاحتشام وترك الاحترام ، ثم عقب
سبحانه على هذا التوجيه بقوله (( إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم )) الحجرات 3
أي
أنهم صُبُرٌ على التقوى مجربون لها ومدربون عليها ، وأقوياء على تحمل
مشاقها ؛ فحكم بذلك بالإخلاص والإيمان والتقوى للمؤمنين الذين يتصفون
بالمحبة لله ورسوله والولاء لهما، وتقديم أحكام الشرع على آرائهم وأهوائهم
ومصالحهم ، والاحترام لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيا وميتا وغض الصوت
بحضرته أو عند سماع سنته
وقد قال أبو بكر – رضي الله عنه – عندما نزلت
هذه الآية : " لا أكلمك يا رسول الله إلا السرار حتى ألقى الله " ، كما كان
إذا قدم على الرسول صلى الله عليه وسلم قوم أرسل إليهم من يعلمهم كيف
يسلمون ويأمرهم بالسكينة والوقار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويستنبط
الفقهاء بالقياس من هذا التوجيه القرآني وجوب احترام الوالدين والعلماء
وذوي السابقة في الدعوة والجهاد وكبار السن ، والرفق بهم وعدم رفع الصوت
بين أيديهم ، والاستحياء بحضرتهم ، مما تؤكده نصوص كثيرة لا يتسع المجال
لها حاليا .
ثالثاً التعامل مع الفسقة :
قال تعالى (( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)) الحجرات 6.
وبما
أن الفسقة أولياء للشيطان ، والشيطان عدو للمؤمن الصادق ؛ فإن همّ الشيطان
وأوليائه الفسقة دائما هو إيقاع الفتنة بين المؤمنين ، وتمزيق صفهم بنقل
الأخبار الكاذبة والملفقة ، والأضاليل المخترعة. فإذا كان الناقل فاسقا وجب
التثبت والتبين والبحث عن الحقيقة في الأمر . وينطبق هذا التوجيه الرباني
أيضا على الأنباء والتحاليل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تنشرها
وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة التي يشرف عليها فساق الأمة أو
أعداؤها ؛ لأن غاية هؤلاء في الأصل فتنة الأمة وإضعافها وإفساد أحوالها .
وبما
أن نتيجة الثقة في الفساق ونقولهم وأخبارهم غالبا ما تكون الفتنة والتقاتل
بين المؤمنين ، فقد عقب سبحانه على ذلك بالإرشاد إلى كيفية التغلب على هذه
الفتنة بقوله
(( واعلموا أن فيكم رسول الله لو
يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في
قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون ))
الحجرات 7 وفيها تذكير بأن النجاة من الفتن في اتباع سنته وهديه وعدم عصيان
أوامره ونواهيه صلى الله عليه وسلم حيا وميتا . ومرد ذلك إلى تمسك القلب
بالإيمان الذي هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان ،
ونفوره وكراهيته للكفر والفسوق والعصيان ، وكل ذلك نعمة من الله وفضل .
ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يثبته على الدين ، وأن
يجدد الإيمان في قلبه .
واختيار الله لفريق من عباده , ليشرح صدورهم
للإيمان , ويحرك قلوبهم إليه , ويزينه لهم فتهفو إليه أرواحهم , وتدرك ما
فيه من جمال وخير . . هذا الاختيار فضل من الله ونعمة , دونها كل فضل وكل
نعمة . حتى نعمة الوجود والحياة أصلا , تبدو في حقيقتها أقل من نعمة
الإيمان وأدنى
ثم ضرب سبحانه وتعالى لهذه الفتن مثلا فيما يقع بين المؤمنين من تخاصم وتقاتل ، فقال : (( وإن
طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ، فإن بغت إحداهما على الأخرى
فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ، فإن فاءت فأصلحوا بينهما
بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين )) الحجرات 9 ثم أكد القاعدة الأصل والوشيجة المتينة في الصف المؤمن ، التي هي الأخوة في الله فقال ((إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم )) الحجرات 10 ، وهو ما بينته السنة النبوية في أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ) – (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ))-(( المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص – وشبك بين أصابعـه )) – (( منـزلة المؤمن من المؤمن منـزلة الرأس من الجسد ، متى اشتكى الجسد اشتكى له الرأس ومتى ما اشتكى الرأس اشتكى سائر الجسد)). وقد أورد أبو داود في كتاب الأدب ما روي عن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ أنه قال : ((مامن
امرئ يخذل امرءا مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا
خذله الله في موطن يحب فيه نصرته ، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص
فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته ))- الحديث رقم 4884 - ؛
ثم قرن الصلح بين المؤمنين المتخاصمين بالتقوى وجعله مدعاة لنـزول الرحمة عليهم بقوله تعالى : ((واتقوا الله لعلكم ترحمون )) الحجرات 10 ، لأن الميل للصلح وإيثاره ، انبثاق فطري من التقوى ، والتقوى هي القناة الغيبية التي تنـزل منها الرحمة .
رابعاً في علاقة المؤمن مع عموم بني جنسه ، وخصوص إخوته المؤمنين في حال حضورهم والتعامل المباشر معهم.
قال تعالى : (( يا
أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من
نساء عسى أن يكن خيرا منهن ، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس
الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون )) الحجرات 11 .
وقد
يسخر الرجل الغني من الرجل الفقير . والرجل القوي من الرجل الضعيف ,
والرجل السوي من الرجل المؤوف . وقد يسخر الذكي الماهر من الساذج الخام .
وقد يسخر ذو الأولاد من العقيم . وذو العصبية من اليتيم . . . وقد تسخر
الجميلة من القبيحة , والشابة من العجوز , والمعتدلة من المشوهة , والغنية
من الفقيرة . . ولكن هذه وأمثالها من قيم الأرض ليست هي المقياس , فميزان
الله يرفع ويخفض بغير هذه الموازين !
ولكن القرآن لا يكتفي بهذا الإيحاء , بل يستجيش عاطفة الأخوة الإيمانية , ويذكر الذين آمنوا بأنهم نفس واحدة من يلمزها فقد لمزها: (ولا تلمزوا أنفسكم). . واللمز:العيب
فبين
المعاملة التي ينبغي أن تكون بين الأقوام رجالا ونساء ، شعوبا وقبائل
بكافة ألوانهم وعقائدهم ومراتبهم الاجتماعية ، وحث المؤمنين على أن يكونوا
القدوة في الالتزام بهذا التوجيه القرآني الذي ينهى عن ثلاث مساوئ خلقية
تمنع المودة وتصد عن طريق الحق ، وتثير الأحقاد والفتن والعناد ، وهي :
السخرية واللمز والنبز .
فالسخرية هي أن ينظر الإنسان إلى أخيه بعين
الاحتقار والاستصغار ، ولعل من سخرت منه أو احتقرته أعلى وأجل منك في ساعته
تلك ، ولعله يتوب بعد ذلك فتقبل توبته ، ولعله يسلم فيحسن إسلامه وتكون
مرتبته عند الله أعلى منك . ولعل سخريتك منه تثير في نفسه العزة بالإثم ،
فيزداد صدودا عن الحق وحقدا على أهله ، فيكون لك من الوزر بذلك نصيب .
واللمز : هو ذكر الإنسان أخاه في حضرته بعيوبه .
أما النبز : فهو مناداة الإنسان أخاه بألقاب يكرهها أو يعدها محقرة ، أو مثيرة للسخرية .
وسواء
كانت السخرية واللمز والنبز بين الأفراد أو بين الأقوام والجماعات ؛ فإن
ذلك محرم يجب الإقلاع عنه ، والمؤمن أحق من يلتزم بذلك ؛ لأنه داعية إلى
الإسلام وقدوة فيه ، لاسيما إذا ارتكب هذا الإثم في حق المؤمنين ؛ لأنه
بذلك يكون قد نبز نفسه وحقرها وسخر منها ، فالمؤمنون جسد واحد ، ولذلك قال
سبحانه :{ ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب } أي لا ينادي بعضكم بعضا بها .
بارك
الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر
الحكيم, أقول قولي هذا, وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنّه هو
الغفور الرحيم.
خامساً في تعامله مع إخوته المؤمنين في حال غيبتهم وعدم حضورهم :
قال تعالى : (( يا
أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ، ولا تجسسوا ولا
يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ، واتقوا الله
إن الله تواب رحيم )) الحجرات 12 .
وإذ حض سبحانه وتعالى في
الآية السابقة على إساءة الظن بالفاسق والتبين في أقواله وتصرفاته، نهى هنا
عن إساءة الظن بالمؤمنين وعن التجسس عليهم ، ومحاولة الاطلاع على أسرارهم
أو نقلها إلى أعدائهم ، وعن اغتيابهم ، وانتهاك أعراضهم في غيبتهم ، وقد
أخرج البخاري ومسلم قوله صلى الله عليه وسلم ((
إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تجسسوا ، ولا تحسسوا ولا تنافسوا
ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ، وكونوا عباد الله إخوانا ، ولا يخطب الرجل على
خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك )) .
والغيبة ثلاثة أوجه في كتاب
الله تعالى : الغيبة ، والإفك ، والبهتان . الغيبة أن تقول ما في أخيك ،
والإفك أن تقول فيه ما بلغك عنه ، والبهتان أن تقول ما ليس فيه .
وقد عد سبحانه وتعالى هذه الموبقات بمثابة أكل لحم المؤمن ميتا ، فقال : (( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ))
، وهذا غاية البشاعة واللؤم والانحطاط . وكما أن الميت لا يحس بأكل
الآكلين ، كذلك الغائب لا يسمع ما يقوله فيه المغتاب . والفعلان معا (
الغيبة وأكل لحم الميت ) في التحريم سواء . وفي الحديث المستفيض : (( فإن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم)) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من
أكل بمسلم أكلة ، فإن الله يطعمه مثلها من جهنم، ومن كسي ثوبا برجل مسلم ،
فإن الله عز وجل يكسوه مثله من جهنم ، ومن قام برجل مسلم مقام رياء وسمعة ،
فإن الله تعالى يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة )) (الأدب المفرد 1/93 - حديث 240 ).
وفي حديث رواه أبو داود: عن أبي هريرة قال:قيل:يا
رسول الله , ما الغيبة ? قال صلى الله عليه وسلم ذكرك أخاك بما يكره ( .
قيل:أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ? قال صلى الله عليه وسلم(إن كان فيه ما
تقول فقد اغتبته , وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته " . . ورواه الترمذي وصححه .
وقال أبو داود: , عن عائشة - رضي الله عنها - قالت:قلت
للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا "قال عن مسدد تعني قصيرة (
فقال صلى الله عليه وسلم لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته)
قالت:وحكيت له إنسانا . فقال صلى الله عليه وسلم ما أحب أني حكيت إنسانا
وأن لي كذا وكذا " . .
وروى أبو داود بإسناده عن أنس بن مالك قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم((
لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم . قلت:من
هؤلاء يا جبرائيل ? قال:هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم )) .
ولما اعترف ماعز بالزنا هو والغامدية , ورجمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إقرارهما متطوعين وإلحاحهما عليه في تطهيرهما , سمع
النبي صلى الله عليه وسلم رجلين يقول أحدهما لصاحبه:ألم تر إلى هذا الذي
ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم ال|~ هده الكلمة غير مسموح بها في المنتدى~| ! ثم سار النبي صلى الله
عليه وسلم حتى مر بجيفة |~ هده الكلمة غير مسموح بها في المنتدى ~| , فقال( أين فلان وفلان ? انزلا فكلا من جيفة
هذا ال|~ هده الكلمة غير مسموح بها في المنتدى ~| ) . قالا:غفر الله لك يا رسول الله ! وهل يؤكل هذا ? قال صلى
الله عليه وسلم فما نلتما من أخيكما آنفا أشد أكلا منه . والذي نفسي بيده
إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها "
كما أن التعفف عن دماء المؤمنين وأعراضهم وأموالهم طريق للتقوى ومدعاة للتوبة والرحمة وهو ما يشير إليه
قوله تعالى ( واتقوا الله إن الله تواب رحيم ).
سادساً- نداء البشرية كافة :
قال تعالى : ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) الحجرات 13.
كان النداء في هذه الآية بقوله تعالى ( يا أيها الناس )
خطابا لما يعم المؤمن والكافر مما ترتب على كونهم من أصل واحد هو آدم
وحواء ، وتذكيرا لهم بحقيقة كونية ، هي أنهم خلقوا من نفس واحدة ((يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ))
النساء 1 وهذا ما يؤكد الأخوة البشرية الشاملة التي لا تفرق بين مسلم
وكافر ، أبيض أو أسود أو أحمر إلا بالتقوى ، وأن هذه الأخوة مدعاة بين
الأفراد والشعوب والقبائل إلى التعارف بما يؤدي إليه من أعمال البر
والإحسان والتناصح والمعاملة الكريمة ، والتعاون على معرفة الحق والعمل
بمقتضاه . وأن ما يميزهم عن بعضهم شئ واحد هو التقوى التي هي ثمرة الإيمان
الحق الذي هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان ، واتقاء
الشرك ظاهرا وباطنا ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله ))
يا
أيها الناس . يا أيها المختلفون أجناسا وألوانا , المتفرقون شعوبا وقبائل .
إنكم من أصل واحد . فلا تختلفوا ولا تتفرقوا ولا تتخاصموا ولا تذهبوا بددا
.
يا أيها الناس . والذي يناديكم هذا النداء هو الذي خلقكم . . من ذكر
وأنثى . . وهو يطلعكم على الغاية من جعلكم شعوبا وقبائل . إنها ليست
التناحر والخصام . إنما هي التعارف والوئام . فأما اختلاف الألسنة والألوان
, واختلاف الطباع والأخلاق , واختلاف المواهب والاستعدادات , فتنوع لا
يقتضي النزاع والشقاق , بل يقتضي التعاون للنهوض بجميع التكاليف والوفاء
بجميع الحاجات . وليس للون والجنس واللغة والوطن وسائر هذه المعاني من حساب
في ميزان الله . إنما هنالك ميزان واحد تتحدد به القيم , ويعرف به فضل
الناس: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). . والكريم حقا هو الكريم عند الله . وهو يزنكم عن علم وعن خبرة بالقيم والموازين: (إن الله عليم خبير). .
وهكذا
تسقط جميع الفوارق , وتسقط جميع القيم , ويرتفع ميزان واحد بقيمة واحدة ,
وإلى هذا الميزان يتحاكم البشر , وإلى هذه القيمة يرجع اختلاف البشر في
الميزان .
وقد حارب الإسلام هذه العصبية الجاهلية في كل صورها وأشكالها ,
ليقيم نظامه الإنساني العالمي في ظل راية واحدة:راية الله . . لا راية
الوطنية . ولا راية القومية . ولا راية البيت . ولا راية الجنس . فكلها
رايات زائفة لا يعرفها الإسلام .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(كلكم بنو آدم , وآدم خلق من تراب . ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم , أو
ليكونن أهون على الله تعالى من الجعلان) .
وقال صلى الله عليه وسلم عن العصبية الجاهلية( دعوها فإنها منتنة ) .